بيعة أبي بكر لم تكن بالإجماع :
تحرير الكلام في هذه المسألة من جهتين :
الجهة الأولى : أن الإجماع هل يصلح أن يكون دليلاً في مسألة الخلافة أم لا ؟
لا ريب في أن الإجماع لا يصلح أن يكون دليلاً في هذه المسألة ، فلا بد لمن يتولى الخلافة من مستند شرعي يصحِّح خلافته ، وأما اتفاق الناس عليه فليس بحُجّة ، لأن كل واحد من الناس يجوز عليه الخطأ ، واحتمال الخطأ لا ينتفي بضم غيره إليه ، ولا سيما إذا كان اجتماعهم حاصلاً بأسباب مختلفة : كخوف بعضهم من حصول الفتنة ، وكراهة بعض آخر من إبداء الخِلاف ، وخوف آخرين من الامتناع عن البيعة ، أو ما شاكل ذلك مما سيأتي بيانه ، فحينئذ لا يكون هذا مشمولاً لما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تجتمع أمتي على ضلالة » ، لأن الأمة هنا لم تجتمع على ضلالة ، بل جُمِعَت وأُكرهتْ ، وهذا لا مانع من حصوله ، كما حصل في زمن الأمويين والعباسيين ، إذ أكرَهوا الناس على بيعتهم ، فحينئذ لا تكون تلك الخلافة شرعية.
الجهة الثانية : أن أهل السنة حكموا بأن بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة وقعت صحيحة من أول يوم مع أنها لم تكن عامّة ، ولم يتحقق إجماع عليها في أول يوم ، وقالوا : إن البيعة العامة حصلت في اليوم التالي. ولو سلّمنا بحصول الإجماع بعد ذلك ، فما هو المصحِّح لها قبل تحقق الإجماع ؟
ثم إن قوماً ـ سيأتي ذِكرهم ـ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبايعوا أبا بكر ، وامتنعوا عن البيعة ، ولم يبايعوا إلا بعد ستة أشهر إن صحَّت عنهم الرواية.
قال ابن الأثير في اُسد الغابة : وكانت بيعتهم ـ يعني مَن تخلَّفوا عن بيعة أبي بكر ـ بعد ستة أشهر على القول الصحيح (1) .
فإذا كانت بيعة أبي بكر صحيحة لأجل الإجماع فالإجماع لم يتحقق ، وإن كانت صحيحة لأمر آخر ، فلا بد من بيانه لننظر فيه هل هو صحيح أم لا.
الجهة الثالثة : أن الإجماع لم يتم لأحد من هذه الأمة ، حتى مَن اتفق أهل السنة والشيعة على صحّة خلافته ، كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإن أمير المؤمنين عليه السلام لم يبايعه أهل الشام قاطبة ، وامتنع جمع من الصحابة عن بيعته ، كعبد الله بن عمر وزيد بن أرقم ومحمد بن مسلمة وغيرهم.
وأما أبو بكر فقد اعترف الإيجي بعدم انعقاد الإجماع على خلافته كما مرّ ، وتخلّف عن بيعته أمير المؤمنين عليه السلام وبنو هاشم قاطبة وجمع آخر من الصحابة.
أسماء المتخلفين عن بيعة أبي بكر
1 ـ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ذكر تخلّفه عن بيعة أبي بكر : البخاري ومسلم في صحيحيهما ، عن عائشة في حديث قالت : وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر... (1) .
وذَكَر تخلّفه عليه السلام أيضاً ابن حجر في فتح الباري ، ونقله عن المازري (2). وكذا ذكره ابن الأثير في اُسد الغابة (3) ، وفي الكامل في التاريخ (4) ، والحلبي في السيرة الحلبية (5) ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة (6) ، والطبري في الرياض النضرة (7) ، واليعقوبي في تاريخه ، وأبو الفداء في المختصر في أخبار البشر (
.
2 ـ عامة بني هاشم : ذَكَر تخلّفهم ابن الأثير في اُسد الغابة (9) ، وفي الكامل في التاريخ (10).
وقال المسعودي في مروج الذهب : ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها (11). وكذا ذكره الحلبي في السيرة الحلبية (12) وذَكَر اليعقوبي في تاريخه من بني هاشم : العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والفضل بن العباس (1). وذكر الطبري في الرياض النضرة العباس وبنيه (2).
3 ـ سعد بن عبادة الأنصاري زعيم الخزرج : ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في أسد الغابة (3). وقال المسعودي : وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع ، فصار إلى الشام ، فقُتل هناك في سنة خمس عشرة (4). وكذا ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (5) ، والطبري في الرياض النضرة (6).
4 ـ الزبير بن العوام : ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في أسد الغابة (7) ، وفي الكامل في التاريخ (
، والحلبي في السيرة الحلبية (9) ، والطبري في الرياض النضرة (10) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (11).
5 ـ خالد بن سعيد بن العاص الأموي : ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في أسد الغابة (12) ، والمحب الطبري في الرياض النضرة (13) ، واليعقوبي وأبو الفداء في
6 ـ طلحة بن عبيد الله : ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في الكامل في التاريخ (2) ، والحلبي في السيرة الحلبية (3) ، والطبري في الرياض النضرة (4) .
7 ـ المقداد بن الأسود : ذَكَر تخلّفه : الحلبي في السيرة الحلبية (5) ، واليعقوبي في تاريخه (6) ، والطبري في الرياض النضرة (7) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (
.
8 ـ سلمان الفارسي : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (9) ، والطبري في الرياض النضرة (10) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (11).
9 ـ أبو ذر الغفاري : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (12) ، والطبري في الرياض النضرة (13) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (14).
10 ـ عمار بن ياسر : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (1) ، والطبري في الرياض النضرة (2) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (3).
11 ـ البراء بن عازب : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (4) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (5).
12 ـ أُبَي بن كعب : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (6) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (7).
13 ـ عتبة بن أبي لهب : ذَكَر تخلّفه أبو الفداء في تاريخه
14 ـ أبو سفيان : ذكر تخلّفه اليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (9) .
وفي ذِكر هؤلاء القوم كفاية في الدلالة على عدم تحقق إجماع الصحابة على بيعة أبي بكر
--------------------------------------
المصادر
1) صحيح البخاري 3|1286 المغازي ، ب 38 ح 4240. صحيح مسلم 3|1380 الجهاد والسير ، ب 16 ح 1759.
(2) فتح الباري 7|398.
(3) اُسد الغابة 3|329.
(4) الكامل في التاريخ 2|325 ، 331.
(5) السيرة الحلبية 3|484.
(6) الإمامة والسياسة ، ص 12.
(7) الرياض النضرة 1|241.
(
تاريخ اليعقوبي 2|9. تاريخ أبي الفداء 1|219.
(9) اُسد الغابة 3|329.
(10) الكامل في التاريخ 2|325 ، 331.
(11) مروج الذهب 2|301.
(12) السير الحلبية 3|484 ، إلا أنه ذكر العباس ، وقال : وجمع من بني هاشم